90 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ». [الحديث أطرافه في: 702، 704، 6110، 7159]. وبالسند السابق قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بفتح الكاف وبالمثلثة العبدي بسكون الموحدة البصري الموثق من أبي حاتم المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني (سفيان) الثوري (عن ابن أبي خالد) هو إسماعيل البجلي الكوفي الأحمسي التابعي الطحان المسمى بالميزان (عن قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي الأحمسي الكوفي البجلي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) الخزرجي البدري أنه (قال): (قال رجل) هو حزم بن أبي كعب كذا قاله ابن حجر في المقدمة، ثم قال في الشرح في كتاب الصلاة: لم أقف على تسميته، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي كعب، لأن قصته كانت مع معاذ لا مع ابن أُبي بن كعب (يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوّل بنا فلان) هو معاذ بن جبل، وفي رواية مما يطيل، فالأولى من التطويل والأخرى من الإطالة، قال القاضي عياض: ظاهره مشكل لأن التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه ولعله لأكاد أترك الصلاة فزيدت الألف بعد لا وفصلت التاء من الراء فجعلت دالاً، وعورض بعدم مساعدة الرواية لما ادّعاه، وقيل: معناه أنه كان به ضعف فكان إذا طوّل به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه فلا يكاد يتم معه الصلاة، ودفع بأن المؤلف رواه عن الفريابي بلفظ لأتأخر عن الصلاة، وحينئذ فالمراد أني لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر عنها أحيانًا من أجل التطويل فعدم مقاربته لإدراك الصلاة مع الإمام ناشئ عن تأخره عن حضورها ومسبب عنه، فعبر عن السبب بالمسبب وعلّله بتطويل الإمام، وذلك لأنه إذا اعتيد التطويل منه تقاعد المأموم عن المبادرة ركونًا إلى حصول الإدراك بسبب التطويل فيتأخر لذلك وهو معنى الرواية الأخرى المروية عن الفريابي فالتطويل سبب التأخر الذي هو سبب لذلك الشيء ولا داعي إلى حمل الرواية الثابتة في الأمهات الصحيحة على التصحيف قاله البدر الدماميني (فما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في موعظة أشد غضبًا) بالنصب على التمييز (من يومئذ) وفي رواية ابن عساكر منه من يومئذ ولفظة منه صلة أشد والمفضل عليه وإن كانا واحدًا وهو الرسول لأن الضمير راجع إليه لكن باعتبارين فهو مفضل باعتبار يومئذ ومفضل عليه باعتبار سائر الأيام. وسبب شدّة غضبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إما لمخالفة الموعظة لاحتمال تقدّم الإعلام بذلك أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه أو لإرادة الاهتمام بما يلقيه على أصحابه ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أيها الناس إنكم منفرون) عن الجماعات، وفي رواية أبي الوقت إن منكم منفرين ولم يخاطب المطوّل على التعيين بل عمم خوف الخجل عليه لطفًا به وشفقة على جميل عادته الكريمة صلوات الله وسلامه عليه (فمن صلى بالناس) أي من صلى متلبسًا بهم إمامًا لهم (فليخفف) جواب من الشرطية (فإن فيهم المريض) الذي ليس بصحيح (والضعيف) الذي ليس بقوي الخلقة كالنحيف والمسنّ، (وذا) بالنصب أي صاحب (الحاجة) وللقابسي وذو الحاجة بالرفع مبتدأ حذف خبره، والجملة عطف على الجملة المتقدمة أي وذو الحاجة كذلك، وإنما ذكر الثلاثة لأنها تجمع الأنواع الموجبة للتخفيف لأن المقتضي له إما في نفسه أو لا، والأوّل إما بحسب ذاته وهو الضعيف أو بحسب العارض وهو المريض أولاً في نفسه وهو ذو الحاجة. 91 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا -أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا- وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ -أَوْ قَالَ: احْمَرَّ وَجْهُهُ- فَقَالَ: «وَمَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ». [الحديث 91 - أطرافه في: 2372، 2427، 2428، 2429، 2436، 2438، 5292، 6112]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أبو جعفر المسندي بفتح النون (قال: حدّثنا أبو عامر) وفي رواية ابن عساكر العقدي، وفي رواية أبي ذر عبد الملك بن عمرو العقدي (قال: حدّثنا سليمان بن بلال المديني) بالمثناة التحتية قبل النون وللأصيلي المدني بحذفها (عن ربيعة) الرأي (ابن أبي عبد الرحمن) شيخ إمام الأئمة مالك بن أنس (عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بالنون والموحدة والمهملة والمثلثة المدني (عن زيد بن خالدالجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون نزيل الكوفة المتوفى بها أو المدينة أو مصر سنة ثمان وسبعين وله في البخاري خمسة أحاديث. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأله رجل) هو عمير والد مالك، وقيل بلال المؤذن، وقيل الجارود، وقيل هو زيد ابن خالد نفسه (عن اللقطة) بضم اللام وفتح القاف وقد تسكن الشيء الملقوط وهو ما ضاع بسقوط أو غفلة فيجده شخص (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكريمة قال: (اعرف) بكسر الراء من المعرفة (وكاءها) بكسر الواو ممدودًا ما يربط به رأس الصرّة والكيس ونحوهما أو بكسر الواو أي ظرفها، (-أو قال وعَاءَها-) الشّك من زيد بن خالد أو ممن دونه من الرواة (وعفاصها) بكسر العين المهملة وبالفاء هو الوعاء أيضًا لأن العفص هو الثني والعطف لأن الوعاء يثنى على ما فيه وينعطف، والمراد الشيء الذي يكون فيه النفقة من خرقة أو جلدة ونحوهما، أو هو الجلد الذي يلبس رأس القارورة، وأما الذي يدخل في فمها فهو الصمام بالمهملة المكسورة، وإنما أمر بمعرفة ما ذكر ليعرف صدق مدّعيها من كذبه ولئلا يختلط بماله، (ثم عرّفها) على سبيل الوجوب للناس بذكر بعض صفاتها (سنة) أي مدة سنة متصلة يعرّف أوّلاً كل يوم طرفي النهار ثم كل يوم مرة ثم كل أسبوع ثم كل شهر ولا يجب فور في التعريف بل المعتبر سنة متى كان، وهل تكفي سنة مفرقة؟ وجهان ثانيهما وبه قطع العراقيون. نعم قال النووي وهو الأصح (ثم استمتع بها) بكسر التاء الثانية وتسكين العين عطف على ثم عرّفها، (فإن جاء ربّها) أي مالكها (فأدّها) جواب الشرط أي أعطها (إليه. قال): يا رسول الله (فضالة الإبل) ما حكمها؟ أكذلك أم لا وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف (فغضب) عليه الصلاة والسلام (حتى احمرّت وجنتاه) تثنية وجنة بتثليث الواو وأجنة بهمزة مضمومة وهي ما ارتفع عن الخد (أو قال احمرّ وجهه) وإنما غضب استقصارًا لعلم السائل وسوء فهمه إذ إنه لم يراع المعنى المذكور ولم يتفطن له فقاس الشيء على غير نظيره لأن اللقطة وإنما هو الشيء الذي سقط من صاحبه ولا يدرى ْأين موضعه وليس كذلك الإبل فإنها مخالفة للقطة اسمًا وصفة، (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما لك ولها) أي ما تصنع بها أي لم تأخذها ولم تتناولها. وفي رواية الحموي والمستملي فما لك، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر ما لك بغير واو ولا فاء (معها سقاؤها) بكسر السين مبتدأ وخبر مقدم أي أجوافها فإنها تشرب فتكتفي به أيامًا. (وحذاؤها) بكسر الحاء المهملة والمد عطف على سقاؤها أي خفّها الذي تمشي عليه (ترد الماء) جملة بيانية لا محل لها من الإعراب أو محلها الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي ترد الماء (وترعى الشجر فذرها) أي إذا كان الأمر كذلك فدعها فالفاء في فذرها جواب شرط محذوف (حتى يلقاها ربها) مالكها إذ إنها غير فاقدة أسباب العود إليه لقوّة سيرها بكون الحذاء والسقاء معها لأنها ترد الماء ربعًا وخمسًا، وتمتنع من الذئاب وغيرها من صغار السباع ومن التردّي وغير ذلك (قال): يا رسول الله (فضالة الغنم) ما حكمها أهي مثل ضالة الإبل أم لا؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: ليست كضالهَ الإبل بل هي (لك) إن أخذتها (أو لأخيك) من اللاقطين إن لم تأخذها (أو للذئب) يأكلها إن لم تأخذها أنت ولا غيرك، فهو إذن في أخذها دون الإبل. نعم إذا كانت الإبل في القرى والأمصار فتلتقط لأنها تكون حينئذ معرّضة للتلف مطمحة للأطماع، ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في بابه بعون الله وحوله وقوّته. .