63 - حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: لَمَّا ادُّعِيَ زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؟ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، يَقُولُ: سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ، يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ -هُوَ الْمَقْبُرِيُّ- عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ- فَقُلْنَا هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أَجَبْتُكَ: فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَىَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ". رَوَاهُ مُوسَى وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا الليث) بن سعد عالم مصر (عن سعيد) بن أبي سعيد بكسر العين فيهما (هو المقبري) بضم الموحدة ولفظ هو ساقط في رواية أبي ذر (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم القرشي المدني المتوفى سنة أربع ومائة (أنه سمع أن بن مالك) رضي الله عنه أي كلامه حال كونه (يقول): (بينما) بالميم وفي نسخة بينا بغير ميم (نحن) مبتدأ خبره (جلوس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد) النبوي (دخل رجل) جواب بينما، وللأصيلي، إذ دخل، لكن الأصمعي لا يستفصح إذ وإذا في جواب بينا وبينما (على جمل فأناخه في) رحبة (المسجد) أو ساحته (ثم عقله) بتخفيف القاف أي شدّ على ساقه مع ذراعه حبلاً بعد أن ثنى ركبته، وفي رواية أبي نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد، وفي رواية أحمد والحاكم عن ابن عباس فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل، وهذا يدل على أنه لم يدخل به السجد وهو يرفع احتمال دلالة ذلك على طهارة أبوال الإبل (ثم قال لهم: أيكم) استفهام مرفوع على الابتداء خبره (محمد والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متكئ) بالهمزة مستو على وطاء، والجملة اسمية وقعت حالاً (بين ظهرانيهم) بفتح الظاء المعجمة والنون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه. فهو محفوف بهم من جانبيه والألف والنون فيه للتأكيد. قاله صاحب الفائق، وقال في المصابيح: ثم زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا انتهى. فهو مما أريد بلفظ التثنية فيه معنى الجمع، لكن استشكل البدر الدماميني ثبوت النون مع الإضافة. وأجيب بأنه ملحق بالمثنى لا أنه مثنى وحذفت منه نون التثنية فصار ظهرانيهم. (فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ) والمراد بالبياض هنا المشرب بحمرة كما دل عليه رواية الحرث بن أبي عمير حيث قال: الأمغر وهو مفسر بالحمرة مع بياض صافٍ، ولا تنافي بين وصفه هنا بالبياض وبين ما ورد أنه ليس بأبيض ولا آدم لأن المنفي البياض الخالص كلون الجص، وفي كتابي المنح من مباحث ذلك ما يكفي ويشفي، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله نكت من ذلك في الصفة النبوية من هذا المجموع. (فقال له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الرجل) الداخل (ابن عبد المطلب) بكسر الهمزة وفتح النون كما في فرع اليونينية، والذي رأيته في اليونينية بهمزة وصل. وقال الزركشي والبرماوي. بفتح الهمزة للنداء ونصب النون لأنه مضاف، وزاد الزركشي لا على الخبر ولا على سبيل الاستفهام بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: قد أجبتك. قال: وفي رواية أبي داود يا ابن عبد المطلب، وتعقبه في المصابيح بأنه لا دليل في شيء مما ذكره على تعيين فتح الهمزة لكن إن ثبتت الرواية بالفتح فلا كلام، وإلاّ فلا مانع من أن تكون همزة الوصل التي في ابن سقطتللدرج وحرف النداء محذوف وهو في مثله قياس مطّرد بلا خلاف انتهى. وللكشميهني يا ابن عبد المطلب بإثبات حرف النداء: (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أجبتك) أي سمعتك أو المراد إنشاء الإجابة، أو نزل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق ولم يجبه عليه الصلاة والسلام بنعم لأنه أخلّ بما يجب من رعاية التعظيم والأدب حيث قال: أيّكم محمد ونحو ذلك؟ (فقال الرجل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله الرجل إلى آخر التصلية عند ابن عساكر، وسقط لفظ الرجل فقط لأبي الوقت (إني سائلك) وفي رواية ابن عساكر أيضًا والأصيلي فقال الرجل: إني سائلك (فمشدد عليك في المسألة) بكسر الدال الأولى المثقلة والفاء عاطفة على سائلك (فلا تجد) بكسر الجيم والجزم على النهي وهي من الموجدة أي لا تغضب (عليّ في نفسك. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سل عما بدا) أي ظهر (لك فقال) الرجل (أسالك بربك) أي بحق ربك (ورب من قبلك آلله) بهمزة الاستفهام الممدودة والرفع على الابتداء والخبر قوله (أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وفى رواية قال: (اللهمّ) أي يا الله (نعم) فالميم بدل من حرف النداء وذكر ذلك للتبرك، وإلا فالجواب قد حصل بنعم أو استشهد في ذلك بالله تأكيدًا لصدقه (قال) وفي رواية فقال الرجل: (أنشدك) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة أي أسالك (بالله) والباء للقسم (آلله أمرك) بالمد (أن نصلي الصلوات الخمس) بنون الجمع للأصيلي واقتصر عليه في فرع اليونينية ولغيره تصلي بتاء الخطاب وكل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل على الخصوصية. وللكشميهني والسرخسي الصلاة بالإفراد أي جنس الصلاة (في اليوم والليلة قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهمّ نعم. قال) الرجل (أنشدك بالله آلله) بالمد (أمرك أن تصوم) بتاء الخطاب، وللأصيلي أن نصوم بالنون كذا في الفرع، والذي في اليونينية نصوم بالنون فقط غير مكررة (هذا الشهر من السنة) أي رمضان من كل سنة فاللام فيهما للعهد والإشارة لنوعه لا لعينه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (اللهمّ نعم قال) الرجل: (أنشدك بالله آلله) بالمد (أمرك أن تأخذ) بتاء المخاطب أي بأن تأخذ (هذه الصدقة) المعهودة وهي الزكاة (من أغنيائنا فتقسمها) بتاء المخاطب المفتوحة والنصب عطفًا على أن تأخذ (على فقرائنا) من تغليب الاسم للكل بمقابلة الأغنياء أو خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم الأصناف الثمانية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهمّ نعم) ولم يتعرض للحج، فقال في مصابيح الجامع كالكرماني والزركشي وغيرهما لأنه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكأنهم لم يطلعوا على ما في صحيح مسلم، فقد وقع فيه ذكر الحج ثابتًا عن أنس، وكذا في حديث أبي هريرة وابن عباس عنده، وقيل: إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض، وهذا بناء على قول الواقدي وابن حبيب إن قول ضمام كان سنة خمس وهو مردود بما في مسلم أن تدومه كان بعد نزول النهي عن السؤال في القرآن، وهو في المائدة ونزولها متأخر جدًّا، وبما قد علم أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة وبما في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد وهو ابن بكر بن هوازن في الإسلام إلا بعد وقعة خيبر، وكانت في شوّال سنة ثمانٍ والصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما. (فقال الرجل) المذكور لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آمنت) قبل (بما) أي بالذي (جئت به) من الوحي، وهذا يحتمل أن يكون إخبارًا، وإليه ذهب المؤلف، ورجحه القاضي عياض وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتًا من الرسول عليه الصلاة والسلام ما أخبره به رسوله إليهم، لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم، وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبراني أتتنا كتبك وأتتنا رسلك (وأنا رسول من) مبتدأ وخبر مضاف إلى من بفتح الميم (ورائي من) بكسرها (قومي وأنا ضمام بن ثعلبة)بالمثلثة المفتوحة والهملة والموحدة (أخو بني سعد بن بكر) بفتح الموحدة أي ابن هوازن وما وقع من السؤال والاستفهام على الوجه المذكور، فمن بقايا جفاء الأعراب الذين وسعهم حلمه عليه الصلاة والسلام، وليس في رواية الأصيلي وأنا ضمام إلى قوله بكر. (رواه) أي الحديث السابق، وفي رواية ابن عساكر، ورواه (موسى) أي ابن إسماعيل كما في رواية ابن عساكر وهو أبو سلمة المنقري، (و) رواه أيضًا (علي بن عبد الحميد) بن مصعب المعنيّ بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون بعدها ياء نسبة إلى معن بن مالك، المتوفى في سنة اثنتين وعشرين ومائتين كلاهما (عن سليمان) زاد في رواية أبي ذر ابن المغيرة كما في الفرع كأصله المتوفى سنة خمسين ومائة، وللأصيلي أخبرنا سليمان (عن ثابث) البناني بضم الموحدة وبالنونين نسبة إلى بنانة بطن من قريش أو اسم أمه بنانة واسم أبيه أسلم العابد البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي بمعناه وسقط لفظ بهذا من رواية أبي الوقت وابن عساكر، وفي رواية مثله. وحديث موسى بن إسماعيل موصول في صحيح أبي عوانة، وحديث علي بن عبد الحميد موصول عند الترمذي أخرجه عن المؤلف. ولما فرغ المؤلف من عرض القراءة شرع يذكر المناولة فقال: 7 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَان وَقَالَ أَنَسٌ: نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الآفَاقِ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزًا. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ: «لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب ما يذكر) بضم الياء وفتح الكاف (في المناولة) المقرونة بالإجازة وهو أن يعطي الشيخ الكتاب للطالب ويقول: هذا سماعي من فلان أو تصنيفي وقد أجزت لك أن ترويه عني، وهي حالّة محل السماع عند يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والزهري فيسوغ فيها التعبير بالتحديث والإخبار، لكنها أحطّ مرتبة من السماع عند الأكثرين، وهذه غير عرض المناولة السابق الذي هو أن يحضر الطالب الكتاب على أن الجمهور سوّغوا الرواية بها، وتقييد المناولة باقتران الإجازة مخرج لما إذا ناول الشيخ الكتاب للطالب من غير إجازة فإنه لا تسوغ الرواية بها على الصحيح. ثم عطف المؤلف على قوله في المناولة قوله: (وكتاب أهل العلم بالعلم إلى) أهل (البلدان) بضم الموحدة وأهل القرى والصحارى وغيرهما والمكاتبة صورتها، أن يكتب المحدّث لغائب بخطه أو يأذن لثقة يكتب سواء كان لضرورة أم لا، وسواء سئل في ذلك أم لا. فيقول بعد البسملة: من فلان ابن فلان ثم يكتب شيئًا من مرويه حديثًا فأكثر أو من تصنيفه أو نظمه، والإذن له في روايته عنه كأن يكتب أجرت لك ما كتبته لك أو ما كتبت به إليك ويرسله إلى الطالب مع ثقة مؤتمن بعد تحريره بنفسه أو بثقة معتمد وشده وختمه احتياطًا ليحصل الأمن من توهم تغييره، هذه في القوة والصحة كالمناولة المقترنة بالإجازة كما مشى عليه المؤلف حيث قال: ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، لكن قد رجح قوم منهم الخطيب المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة، وهذا وإن كان مرجحًا فالمكاتبة أيضًا تترجح بكون الكتابة لأجل الطالب، وإذا أدى المكاتب ما تحمله من ذلك فبأي صيغة يؤدّي؟ جوّز قوم منهم الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر إطلاق أخبرنا وحدّثنا، والجمهور على اشتراط التقييد بالكتابة فيقول: حدّثنا أو أخبرنا فلان مكاتبة أو كتابة أو نحوهما، فإن عرت الكتابة عن الإجازة فالمشهور تسويغ الرواية بها. (وقال أنس) وللأصيلي أنس بن مالك كما هو موصول عند المؤلف في حديث طويل في فضائل القرآن (نسخ) أي كتب (عثمان المصاحف) أي أمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن ينسخوها. وللأصيلي عثمان بن عفان وهو أحد العشرة المتوفى شهيد الدار يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وهو ابن تسعين سنة، وكانت خلافته اثنتي عشر سنة رضي الله عنه. (فبعث بها) أي أرسل عثمان بالمصاحف (إلى الآفاق) مصحفًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وأمسك بالمدينة واحدًا. والمشهور أنها كانت خمسة. وقال الداني أكثر الروايات علىأنها أربعة. قلت: وفيما جمعته في فنون القراءات الأربع عشرة مزيد لذلك فليراجع. ودلالة هذا الحديث على تجويز الرواية بالمكاتبة بيِّن غير خفي، لأن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها. قال ابن المنير: والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن فإنه متواتر عندهم. (ورأى عبد الله بن عمر) بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن القرشي المدني العدوي، المتوفى سنة إحدى وسبعين ومائة، أو هو عمرو بن العاص، وبالأوّل جزم الكرماني وغيره وهو موافق لجميع نسخ البخاري حيث ضمت العين من عمر وسقطت الواو، وبالثاني قال الحافظ ابن حجر معلّلاً بقرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد لأن يحيى أكبر من العمري، وبأنه وجد في كتاب الوصية لابن مندة من طريق البخاري بسند صحيح إلى أبي عبد الله الحبلي بضم المهملة والموحدة أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال: انظر هذا الكتاب فما عرفته منه اتركه وما لم تعرفه امحه. قال: وعبد الله يحتمل أن يكون ابن عمر بن الخطاب، فإن الحبلي سمع منه، ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاص فإن الحبلي مشهور بالرواية عنه. وتعقبه العيني بأن التقديم لا يستلزم التعيين، فمن ادّعى ذلك فعليه بيان اللازمة، وبأن قول الحبلي أنه أتى عبد الله لا يدل بحسب الاصطلاح إلا على عبد الله بن مسعود، وبأن عمرو بن العاص بالواو وهي ساقطة في جميع نسخ البخاري. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه لا يلزم من انتفاء الملازمة أن لا تثبت الملازمة إذا وجدت القرينة وهي أن التقديم يفيد الاهتمام والاهتمام بالأسن الأوثق، وبأن الحصر الذي ادّعاه مردود، وقد صرّح الأئمة بخلافه فقال الخطيب عن أهل الصنعة: إذا قال المصري عن عبد الله فمراده عبد الله بن عمرو بن العاص، وإذا قال الكوفي عبد الله فمراده ابن مسعود والحبلي مصري انتهى. (و) كذا رأى (يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (ومالك) إمام دار الهجرة وللأصيلي مالك بن أنس (ذلك جائزًا) أي المناولة والإجازة على حدّ قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك} [البقرة: 68] أي ما ذكر من الفارض والبكر فأشار بذلك إلى المثنى. (واحتج بعض أهل الحجاز) هو شيخ المصنف الحميدي (في) صحة (المناولة بحديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث كتب) أي أمر بالكتابة (لأمير) وفي رواية الأصيلي إلى أمير (السرية) عبد الله بن جحش المجدّع أخي زينب أم المؤمنين (كتابًا وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا) وفي رواية عروة أنه قال: إذا سرت يومين فافتح الكتاب. وللكشميهني: لا نقرأ بنون الجمع مع حذف الضمير ويلزم منه كون نبلغ بالنون أيضًا. (فلما بلغ ذلك المكان) وهو نخلة بين مكة والطائف (قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يذكره المؤلف موصولاً. نعم وصله الطبراني بإسناد حسن وهو في سيرة ابن إسحاق مرسلاً ورجاله ثقات ووجه الدلالة منه غير خفية فإنه جاز له الإخبار بما في الكتاب بمجرد المناولة ففيه المناولة ومعنى الكتابة. .