6 - وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ»
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قال: وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. [الحديث أطرافه في: 1902، 3220، 3554، 4997]. (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المهملة هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي بالمهملة والمثناة الفوقية المفتوحتين المروزيّ المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين عن ست وسبعين سنة، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم المروزي الإمام المتفق على ثقته وجلالته من تابعي التابعين، وكان والده من الترك مولى لرجل من همدان المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة، (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد بن مشكان الأيليّ (عن الزهريّ) محمد بن مسلم بن شهاب، (قال) أي البخاري وفي الفرع كأصله بدل قال: (ح) مهملة مفردة في الخط مقصورة في النطق على ما جرى عليه رسمهم إذا أرادوا الجمع بين إسنادين فأكثر عند الانتقال من سند لآخر خوف الإلباس، فربما يظن أن السندين واحد، ومذهب الجمهور أنها مأخوذة من التحويل. وقال عبد القادر الرهاوي وتبعه الدمياطي من الحائل الذي يحجز بين الشيئين، وقال ينطق به ومنعه الأوّل. وعن بعض المغاربة يقول بدلها الحديث وهو يشير إلى أنها رمز عنه، وعن خط الصابوني وأبي مسلم الليثي وأبي سعيد الخليلي صح لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، أو خوف تركيب الإسناد الثاني مع الأوّل فيجعلا إسنادًا واحدًا وزعم بعضهم أنها معجمة أي إسناد آخر فوهم. (وحدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي السختياني وهو مما انفرد البخاري بالرواية عنه عن سائر الكتب الستة وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر نحوه عن الزهري، يعني أن عبد الله بن المبارك حدّث به عبدان عن يونس وحده، وحدّث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معًا، أما باللفظ فعن يونس وأما بالعنى فعن معمر. ومن ثم زاد فيه لفظة نحوه، (قال) أي الزهري: (أخبرني) بل بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عتبة بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة ابن مسعود الإمام الجليل أحد الفقهاء السبعة التابعي المتوفى بعد ذهاب بصره سنة تسع أو ثمان أو خمس أو أربع وتسعين، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) بنصب أجود خبر كان أي أجودهم على الإطلاق، (وكان أجود ما يكون) حال كونه (في رمضان) برفع أجود اسم كان، وخبرها محذوف وجوبًا على حد قولك أخطب ما يكون الأمير قائمًا وما مصدرية أي أجود أكوان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رمضان سدّ مسد الخبر أي حاصلاً فيه، أو على أنه مبتدأ مضاف إلى المصدر وهو ما يكون، وما مصدرية وخبره في رمضان تقديره أجود أكوانه عليه الصلاة والسلام حاصل له في رمضان، والجملة كلها خبر كان واسمها ضمير عائد على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وللأصيلي كأبي ذرّ في اليونينية أجود بالنصب خبر كان، وعورض بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وما حينئذ مصدرية ظرفية، والتقدير كان عليه الصلاة والسلام متصفًا بالأجودية مدة كونه في رمضان مع أنه أجود الناس مطلقًا، وتعقب بأنه إذا كان فيه ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصح أن يكون أجود خبرًا لكان، لأنه مضاف إلى الكون ولا يخبر بكونعما ليس بكون، فيجب أن يجعل مبتدأ وخبره في رمضان والجملة خبر كان اهـ فليتأمل. وقال في المصابيح: ولك مع نصب أجود أن تجعل ما نكرة موصوفة، فيكون في رمضان متعلقًا بكان مع أنها ناقصة بناء على القول بدلالتها على الحدث، وهو صحيح عند جماعة، واسم كان ضمير عائد له عليه الصلاة والسلام أو إلى جوده المفهوم مما سبق، أي وكان عليه الصلاة والسلام أجود شيء يكون، أو وكان جوده في رمضان أجود شيء يكون، فجعل الجود متّصفًا بالأجودية مجازًا كقولهم: شعر شاعر اهـ. والرفع أكثر وأشهر رواية. ولأبي ذر فكان أجود بالفاء بدل الواو، وفي هذه الجملة الإشارة إلى أن جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان يفوق على جوده في سائر أوقاته. (حين يلقاه جبريل) عليه السلام، إذ في ملاقاته زيادة ترقيه في المقامات وزيادة اطّلاعه على علوم الله تعالى ولا سيما مع مدارسة القرآن. (وكان) جبريل (يلقاه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجوّز الكرماني أن يكون الضمير المرفوع للنبي والمنصوب لجبريل، ورجح الأوّل العيني لقرينة قوله حين يلقاه جبريل (في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) بالنصب مفعول ثانٍ ليدارسه، على حدّ جاذبته الثوب، والفاء في فيدارسه عاطفة على يلقاه، فبمجموع ما ذكر من رمضاز ومدارسة القرآن وملاقاة جبريل يتضاعف جوده لأن الوقت موسم الخيرات، لأن نعم الله على عباده تربو فيه على غيره، وإنما دارسه بالقرآن لكي يتقرر عنده ويرسخ أتم رسوخ، فلا ينساه. وكان هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام حيث قال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]. وقال الطيبي: فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي فضل أوّلاً جوده مطلقًا على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانيًا جود كونه في رمضان على جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبّه جوده بالريح فقال: (فلرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع مبتدأ خبره قوله (أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة، إشارة إلى أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح. وعبر بالرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده عليه الصلاة والسلام كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، وفيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه، وذلك أنه أثبت له أوّلاً وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح الرسلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك لأن الريح قد تسكن. وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة، ومن الريح مجاز. فكأنه استعار للريح جودًا باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد. وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة نطيفة هي أنه لو أخّره لظن تعلقه بالمرسلة. وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد من الوصف بالأجودية إلا أنه تفوت به المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح مطلقًا، والفاء في فلرسول الله، وللسببية واللام للابتداء، وزيدت على المبتدأ تأكيدًا أو هي جواب قسم مقدَّر، وحكمة المدارسة ليكون ذلك سنة في عرض القرآن على من هو أحفظ منه، والاجتماع عليه والإكثار منه. وقال الكرماني: لتجويد لفظه، وقال غيره: تجويد حفظه، وتعقب بأن الحفظ كان حاصلاً له والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل وفيه عدد من المراوزة. وأخرجه المؤلف أيضًا في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفضائل القرآن وبدء الخلق، ومسلم في فضائل النبوّة. ولما فرغ من بدء الوحي شرع يذكر جملة من أوصاف الموحى إليه فقال مما رويته بالسند السابق: باب .