56 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ». [الحديث أطرافه في: 1295، 2742، 2744، 3936، 4409، 5354، 5659، 5668، 6373، 6733]. وبه قال: (حدّثنا الحكم) بفتح الكاف هو أبو اليمان (بن نافع قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة القرشي (عن الزهري) أبي بكر محمد بن شهاب (قال: حدّثني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين (عن سعد بن أبي وقاص) المدني أحد العشرة (أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) يخاطب سعدًا ومن يصح منه الإنفاق. (إنك لن تنفق نفقة) قليلة أو كثيرة (تبتغي) أي تطلب (بها وجه الله) تعالى هو منع المتشابه وفيه مذهبان التفويض والتأويل. قال العارف المحقق شمس الدين بن اللبان المصري الشاذلي وقد جاء ذكره في آيات كثيرة: فإذا أردت أن تعلم حقيقة مظهره من الصور فاعلم أن حقيقته من غمام الشريعة بارق نور التوحيد ومظهره من العمل وجه الإخلاص: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} [الروم: 43] الآية. ويدل على أن وجه الإخلاص مظهره قوله تعالى {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]. وقوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]. وقوله عز وجل: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 20]. والمراد بذلك كله الثناء بالإخلاص على أهله تعبيرًا بإرادة الوجه عن إخلاص النية وتنبيهًا على أنه مظهر وجهه سبحانه وتعالى. ويدل على أن حقيقة الوجه هو بارق نور التوحيد. قوله عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي إلاّ نور توحيده انتهى. والباء في قوله في الحديث بها للمقابلة أو بمعنى على، ولذا وقع في بعض النسخ عليها بدل بها أو للسببية أي لن تنفق نفقة تبتغي بسببها وجه الله تعالى (إلا) نفقة (أجرت عليها) بضم الهمزة وكسر الجيم ولكريمة إلاّ أجرت بها وهي في اليونينية لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر لكنه ضرب عليها بالحمرة. (حتى ما تجعل) أي الذي تجعله (في فم امرأتك) فأنت مأجور فيه، وعلى هذا فالمرائي بعمل الواجب غير مثاب وإن سقط عقابه بفعله كذا قاله البرماوي كالكرماني. وتعقبه العيني بأن سقوط العقاب مطلقًا غير صحيح، بل الصحيح التفصيل فيه وهو أن العقاب الذي يترتب على ترك الواجب يسقط لأنه أتى بعين الواجب ولكنه كان مأمورًا أن يأتي بما عليه بالإخلاص وترك الرياء، فينبغي أن يعاقب على ترك الإخلاص لأنه مأمور به وتارك المأمور به يعاقب. وقال النووي: ما أريد به وجه الله يثبت فيه الأجر وإن حصل لفاعله في ضمنه حظ شهوة من لذة أو غيرها كوضع لقمة في فم الزوجة وهو غالبًا لحظ النفس والشهوة، وإذا ثبت الأجر في هذا ففيما يراد به وجه الله فقط أحرى، وفي رواية الكشميهني في في امرأتك بغير ميم. قال في الفتح: وهي رواية الأكثر والمستثنى محذوف لأن الفعل لا يقع مستثنى، والتقدير كما قال العيني: لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ نفقة أجرت عليها، ويكون قوله: أجرت عليها صفة للمستثنى، والمعنى على هذا لأن النفقة المأجور فيها هي التي تكون ابتغاء لوجه الله تعالى لأنها لو لم تكن لوجه الله لما كانت مأجورًا فيها، والاستثناء متصل لأنه من الجنس والتنكير في قوله نفقة في سياق النفي يعم القليل والكثير والخطاب في أنك للعموم، إذ ليس المراد سعدًا فقط فهو مثل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12]. والصارف قرينة عدم اختصاصه، ويحتمل أن يكون بالقياس. وحتى ابتدائية وما مبتدأ خبره المحذوف المقدر بقوله: (فأنت مأجور فيه)، فالنية الصالحة إكسير تقلب العادة عبادة والقبيح جميلاً، فالعاقل لا يتحرك حركة إلاّ لله فينوي بمكثه في المسجد زيارة ربه في انتظار الصلاة واعتكافه على طاعته وبدخوله الأسواق ذكر الله، وليس الجهر بشرط وأمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر وينوي عقب كل فريضة انتظار أخرى فأنفاسه إذًا نفائس ونيته خير من عمله. وهذا الحديث المذكور في الباب قطعة من حديث طويل مشهور أخرجه المؤلف في الجنائز والمغازي والدعوات والهجرة والطب والفرائض، ومسلم في الوصايا، وأبو داود والترمذي فيها أيضًا. وقال: حسن صحيح،والنسائي فيها وفي عشرة النساء وفي اليوم والليلة، وابن ماجة في الوصايا. 42 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»، وَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) هذا (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مبتدأ مضاف خبره قوله (الدين النصيحة) أي قوام الدين وعماده النصيحة (لله) تعالى بأن يؤمن به ويصفه بما هو أهله ويخضع له ظاهرًا وباطنًا ويركب في محابه بفعل طاعته ويرغب عن مساخطه بترك معصيته ويجاهد في رد العاصين إليه (و) النصيحة (لرسوله) عليه الصلاة والسلام بأن يصدق برسالته ويؤمن بجميع ما أتى به ويعظمه وينصره حيًّا وميتًا ويحيي سُنته بتعلمها وتعليمها ويتخلق بأخلاقه ويتأدب بآدابه ويحب أهل بيته وأصحابه وأتباعه وأحبابه، (و) النصيحة (لأئمة المسلمين) بإعانتهم على الحق وطاعتهم فيه وتنبيههم عند الغفلة برفق وسد خلتهم عند الهفوة ورد القلوب النافرة اليهم، وأما أئمة الاجتهاد فببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم، (و) نصيحة (عامّتهم) بالشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليم ما ينفعهم وكفّ الأذى عنهم إلى غير ذلك. ويستفاد من هذا الحديث أن الدين يطلق على العمل لأنه سمى النصيحة دينًا، وعلى هذا المعنى بنى المؤلف أكثر كتاب الإيمان، وإنما أورده هنا ترجمة ولم يذكره في الباب مسندًا لكونه ليس على شرطه -كما سيأتي قريبًا- ووصله مسلم عن تميم الداري وزاد فيه: النصيحة لكتاب الله وذلك يقع بتعلمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وبفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما فيه إلى غير ذلك، وإنما لم يسنده المؤلف لأنه ليس على شرطه لأن راويه تميم، وأشهر طرقه فيه سهيل بن أبي صالح، وقد قال ابن المديني فيما ذكره عنه المؤلف أنه نسي كثيرًا من الأحاديث لموجدته لموت أخيه. وقال ابن معين: لا يحتج به، ونسبه بعضهم لسوء الحفظ، ومن ثم لم يخرج له البخاري، وقد أخرج له الأئمة كمسلم والأربعة. وروى عنه مالك ويحيى الأنصاري والثوري وابن عيينة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال ابن عديّ: هو عندي ثبت لا بأس به مقبول الأخبار، ثم إن هذا الحديث قد عدّ من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام وهو من بليغ الكلام والنصيحة من نصحت العسل إذا صفّيته من الشمع أو من النصح وهو الخياطة بالمنصحة وهي الإبرة، والمعنى أنه يلم شعثه بالنصح كما تلم المنصحة ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله آية يعضد بها الحديث فقال: (وقوله تعالى) ولأبي الوقت: عز وجل بدل قوله تعالى، ولأبي ذر، وقول الله {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] بالإيمان والطاعة في السر والعلانية أو بما قدروا عليه فعلاً أو قولاً يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح. .