41 - حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ: عَبْدٌ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»
قَالَ مَالِكٌ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا». وبالسند إلى المؤلف قال (قال مالك) وللأصيلي وقال مالك ولابن عساكر في نسخة قال: وقال مالك يعني ابن أنس إمام دار الهجرة (أخبرني زيد بن أسلم) أو أسامة القرشي المكي مولى عمر بن الخطاب (أن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة أبا محمد المدني مولى أم المؤمنين ميمونة (أخبره أن أبا سعيد الخدري) بالدال المهملة رضي الله عنه (أخبره أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول) بالمضارع حكاية حال ماضية. (إذا أسلم العبد) أو الأمة وذكر المذكر فقط تغليبًا (فحسن إسلامه) أو إسلامها بأمن دخلا فيه بريئين من الشكوك أو المراد المبالغة في الإخلاص بالمراقبة (يكفر الله عنه) وعنها (كل سيئة كان زلفها) بتخفيف اللام المفتوحة وبه قرئ على الحافظ المنذري وغيره، ولأبي الوقت زلفها بتشديدها وعزاه في التنقيح للأصيلي، ولأبي ذر مما ليس في اليونينية أزلفها بزيادة همزة مفتوحة وهما بمعنى كما قاله الخطابي وغيره أي أسلفها وقدمها، وفي فرع اليونينية كهي أسلفها بالهمزة والسين لأبي ذر والتكفير هو التغطية وهو في المعاصي كالإحباط في الطاعات. وقال الزمحشري: التكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب زائد والرواية في يكفر بالرفع، ويجوز الجزم لأن فعل الشرط ماضٍ وجوابه مضارع، وقول الحافظ ابن حجر في الفتح بضم الراء لأن إذا وإن كانت من أدوات الشرط لكنها لا تجزم تعقبه العيني فقال: هذا كلام من لم يشم شيئاً من العربية وقد قال الشاعر: استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل فجزم إذا تصبك انتهى. قلت: قال ابن هشام في مغنيه: ولا تعمل إذا الجزم إلا في الضرورة كقوله: استغن ما أغناك الخ. قال الرضي لما كان حدث إذا الواقع فيه مقطوعًا به في أصل الوضع لم يرسخ فيه معنى أن الدّال على الفرض بل صار عارضًا على شرف الزوال، فلهذا لم تجزم إلا في الشعر مع إرادة معنى الشرط وكونه بمعنى متى (وكان بعد ذلك) أي بعد حسن الإسلام (القصاص) بالرفع اسم كان على أنها ناقصة أو فاعل على أنها تامّة، وعبّر بالماضي وإن كان السياق يقتضي المضارع لتحقق الوقوع كما في نحو قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] والمعنى وكتابة المجازاة في الدنيا (الحسنة) بالرفع مبتدأ وخبره (بعشر) أي تكتب أو تثبت بعشر (أمثالها) حال كونها منتهية (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد والضعف المثل إلى ما زاد، ويقال لك ضعفه يريدون مثليه وثلاثةأمثاله لأنه زيادة غير مخصوصة قاله في القاموس، وقد أخذ بعضهم فيما حكاه الماوردي بظاهر هذه الغاية، فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة. وأجيب بأن في حديث ابن عباس عند المصنف في الرقاق كتب له الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهو يرد عليه، وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء} [البقرة: 261] فيحتمل أن يكون المراد أنه يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء بأن يجعلها سبعمائة وهو الذي قاله البيضاوي تبعًا لغيره، ويحتمل أن يضاعف السبعمائة بأن يزيد عليها (والسيئة بمثلها) من غير زيادة (إلا أن يتجاوز الله) عز وجل (عنها) أي عن السيئة فيعفو عنها، وفيه دليل لأهل السُّنَّة أن العبد تحت المشيئة إن شاء الله تعالى تجاوز عنه وإن شاء آخذه وردّ على القاطع لأهل الكبائر بالنار كالمعزلة. وقول الحافظ ابن حجر: إن أول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان لأن الحسن تتفاوت درجاته. تعقبه العيني بأن الحسن من أوصاف الإيمان ولا يلزم من قابلية الوصف الزيادة والنقصان قابلية الذات إياهما، لأن الذات من حيث هي هي لا تقبل ذلك كما عرف في موضعه انتهى. وقد تقدم في أوّل كتاب الإيمان عند قوله: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] تحقيق البحث في ذلك فليراجع. وهذا الحديث لم يسنده المؤلف بل علقه وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته فقال: أخبرنا النضروي وهو العباس بن الفضل، حدّثنا الحسين بن إدريس، حدّثنا هشام بن خالد، حدّثنا الوليد بن مسلم، عن مالك، عن زيد بن أسلم به ووصله النسائي في سننه، والحسن بن سفيان في مسنده والإسماعيلي، ولفظه من طريق عبد الله بن نافع عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا أسلم العبد كتب الله له كل حسنة قدمها ومحا عنه كل سيئة زلفها" ثم قيل له: ائتنف العمل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة والسيئة بمثلها إلا أن يغفر الله، والدارقطني في غرائب مالك من تسع طرق، ولفظه من طريق طلحة بن يحيى عن مالك "ما من عبد يسلم فيحسن إسلامه إلا كتب الله له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل خطيئة زلفها" بالتخفيف فيهما، وللنسائي نحوه لكن قال: أزلفها، فقد ثبت في جميع الروايات ما أسقطه البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام. وقوله: كتب الله أي أمر أن يكتب. وللدارقطني من طريق ابن شعيب عن مالك يقول الله لملائكته اكتبوا. قيل: وإنما اختصره المؤلف لأن قاعدة الشرع أن الكافر لا يثاب على طاعته في شركه، لأن من شرط المتقرب كونه عارفًا بمن تقرب إليه، والكافر ليس كذلك. ورده النووي بأن الذي عليه الحققون بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالاً جميلة على جهة التقرّب إلى الله تعالى كصدقة وصلة رحم وإعتاق ونحوها ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له. وحديث حكيم بن حزام المروي في الصحيحين يدل عليه كالحديث الآتي، ودعوى أنه مخالف للقواعد غير مسلمة لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزم إعادتها إذا أسلم وتجزئه. قال ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أنه يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله تعالى يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرًا فلا مانع منه. ورواة هذا الحديث أئمة أجلاء مشهورون وهو مسلسل بلفظ الاخبار على سبيل الانفراد مع التصريح بسماع الصحابي من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. .