392 - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، «كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ، وَرَفَعَ» فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: وحدّثنا بالواو (نعيم) هو ابن حماد الخزاعي (قال: حدّثنا ابن المبارك) عبد الله فهو موصول، ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا نعيم، قال ابن المبارك: وفي رواية حماد بن شاكر عن المؤلّف. قال نعيم بن حماد: فيكون المؤلّف علقه عنه، وللأصيلي وكريمة وقال ابن المبارك: فيكون المؤلّف علقه عنه، ولابن عساكر قال محمد بن إسماعيل، وقال ابن المبارك: وقد وصله الدارقطني من طريق نعيم عن ابن المبارك (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمرت) بضم الهمزة وكسر الميم أي أمرني الله (أن) أي بأن (أقاتل الناس) أى بقتل المشركين (حتى يقولوا لا الله إلاّ الله) أي مع محمد رسول الله، واكتفى بالأولى لاستلزامها الثانية عند التحقيق أو أنها شعار للمجموع كما في قرأت الحمد أي كل السورة (فإذا قالوها) أي كلمة الإخلاص وحقّقوا معناها بموافقة الفعل لها (وصلّوا صلاتنا) أي بالركوع (واستقبلوا قبلتنا) التي هدانا الله لها (وذبحوا ذبيحتنا) أي ذبحوا المذبوح مثل مذبوحنا فعيل بمعنى المفعول لكنه استشكل دخول التاء فيه، لأنه إذا كان بمعنى المفعول يستوي فيه المذكّر والمؤنث فلا تدخله التاء، وأُجيب بأنه لا زال عنه معنى الوصفية وغلبت عليه الاسمية دخلت التاء وإنما يستوي الأمران فيه عند ذكر الموصوف، (فقد حرمت) بفتح الحاء وضمّ الراء كما في الفرع، وجوّز البرماوي كغيره ضم الأول وتشديد الثاني، لكن قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ في شيء من الروايات تشديد الراء (علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها) أي إلا بحق الدماء والأموال وفي حديث ابن عمر: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام (وحسابهم على الله) هو على سبيل التشبيه أيّ هو كالواجب على الله في تحقق الوقوع، وإلا فلا يجب على الله تعالى شيء. وقد استنبط ابن المنير من قوله: فإذا قالوها وصلوا صلاتنا حرمت دماؤهم قتل تارك الصلاة لأن مفهوم الشرط إذا قالوها، وامتنعوا من الصلاة لم تحرم دماؤهم منكرين للصلاة كانوا أو مقرّين لأنه رتب استصحاب سقوط العصمة على ترك الصلاة لا ترك الإقرار بها. لا يقال الذبيحة لا يقتل تاركها لأنّا نقول: إذا أخرج الإجماع بعضًا لم يخرج الكل انتهى من المصابيح. فإن قلت: لم خصّ الثلاثة بالذكر من بين الأركان وواجبات الدين أُجيب بأنها أظهر وأعظم وأسرع علمًا لأن في اليوم تعرف صلاة الشخص وطعامه غالبًا بخلاف الصوم والحج كما لا يخفى. 393 - قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلاَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ الْمُسْلِمُ: لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ. وهذا الحديث رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في الإيمان، والنسائي في المحاربة. (وقال ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم المصري (أخبرنا يحيى) وللأربعة يحيى بن أيوب الغافقي (قال: حدّثنا حميد) الطويل ولابن عساكر، وقال محمد أي المؤلّف قال ابن أبي مريم حدّثني (بالإفراد حميد (قال: حدّثنا أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد وصله محمد بن نصر وابن منده في الإيمان من طريق ابن أبي مريم، وقد ذكره المؤلّف استشهادًا وتقوية وإلاّ فيحيى بن أيوب مطعون فيه قال أحمد: سيئ الحفظ، (وقال علي بن عبد الله) أي المديني: (حدّثنا خالد بن الحرث قال: حدّثنا حميد) الطويل (قال: سأل ميمون بن سياه) بكسر السين المهملة آخره هاء (أنس بن مالك قال) ولأبوي ذر والوقت فقال وسقطت هذه الكلمة بالكلية عند الأصيلي. (يا أبا حمزة) بالحاء والزاي كنية أنس (وما يحرّم) بواو العطف على معطوف محذوف كأنه سأل عن شيء مثل هذا وغير هذا، وقول ابن حجر أو الواو استئنافية. تعقبه العيني بأن الاستئناف كلام مبتدأ، وحينئذ لا يبقى مقول لقال فيحتاج إلى تقدير، وفي رواية كريمة والأصيلي ما يحرّم (دم العبد وماله فقال) أنس: (من شهد أن لا إله إلاّ الله واستقبل قبلتنا وصلّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم) من النفع (وعليه ما على المسلم) من المضرة. ووجه مطابقة جواب أنس للسؤال عن سبب التحريم أنه يتضمنه لأنه لما ذكر الشهادة وما عطف عليها علم أن الذي يفعل هذا هو المسلم، والمسلم يحرم دمه وماله، إلاّ بحقه فهو مطابق لهوزيادة. 29 - باب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّأْمِ وَالْمَشْرِقِ، لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلاَ فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». (باب) حكم (قبلة أهل المدينة وأهل الشام و) قبلة أهل (المشرق) أي وأهل المغرب في استقبالها واستدبارها المنهي عنه، وأهل بالجر عطفًا على المضاف إليه والمشرق عطفًا على المجرور قبله، والمراد بالمشرق مشرق الأرض كلها المدينة والشام وغيرهما، ولم يذكر المؤلّف المغرب مع أن العلّة فيهما مشتركة اكتفاء بذلك عنه كما في: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] وخصّ المشرق بالذكر لأن أكثر بلاد الإسلام في جهته، ولما ذكر المؤلّف ذلك كأن سائلاً سأله فقال: كيف قبلة هذه المواضع؟ فقال: (ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة) أي ليس في التشريق والتغريب في المدينة والشام، ومَن يلحق بهم ممن هو على سمتهم قبلة، فأطلق المشرق والمغرب على التشريق والتغريب، والجملة استئنافية من تفقه المؤلّف جواب عن سؤال مقدّر كما مرّ، وفي رواية الأربعة بإسقاط قبلة هذه، وحينئذ يتعيّن تنوين باب بتقدير هذا باب، ورفع قبلة أهل المدينة على الابتداء وجر أهل عطفًا على المضاف إليه، وكذا المشرق والمغرب عطفًا على المجرور، وخبر المبتدأ قوله: ليس في المشرق لكن بتأويل قبلة بلفظ مستقبل، لأن التطابق في التذكير والتأنيث بين المبتدأ والخبر واجب والمشرق بالتشريق والمغرب بالتغريب أي: هذا باب بالتنوين مستقبل أهل المدينة وأهل الشام ليس في التشريق ولا في التغريب، وقد سقطت التاء من ليس فلا تطابق بينه وبين قبلة، فلذا أول بمستقبل ليتطابقا تذكيرًا. وحكى الزركشي ضم قاف مشرق للأكثرين عن عياض عطفًا على باب أي، وباب حكم المشرق، ثم حذف في الثاني باب وحكم وأقيم المشرق مقام الأوّل، وصوّبه الزركشي لما في الكسر من إشكال وهو إثبات قبلة لهم أي لأهل المشرق، وتعقبه الدماميني فقال: إثبات قبلة، لأهل المشرق في الجملة لا إشكال فيه لأنهم لا بدّ لهم أن يصلوا إلى الكعبة فلهم قبلة يستقبلونها قطعًا إنما الإشكال لو جعل المشرق نفسه قبلة مع استدبار الكعبة وليس في جرّ المشرق ما يقتضي أن يكون المشرق نفسه قبلة، وكيف يتوهم هذا، والمؤلّف قد ألصق بهذا الكلام قوله: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، ثم إن ما وجه به الرفع يمكن أن يوجه به الكسر، وذلك بأن يكون المشرق معطوفًا على ما أُضيف إليه الباب وهو قبلة لا على المدينة ولا على الشام، فكأنه قال: باب حكم قبلة أهل المدينة وحكم الشرق ولا إشكال البتّة. اهـ. ومراده بالمشرق والمغرب كما مرّ اللذان من ناحية المدينة والشام بخلاف مشرق مكة ومغربهما وكل البلاد التي تحت الخط المارّ عليها من مشرقها إلى مغربها، فإنها مخالفة المشرق والمغرب للمدينة والشام وما كان من جهتهما في حكم اجتناب الاستقبال والاستدبار بالتشريق والتغريب، فإن أولئك إذا شرقوا أو غربوا لا يكونون مستقبلي الكعبة ولا مستدبريها، ومشرق مكة ومغربها وما بينهما متى شرقوا استدبروا الكعبة أو غربوا استقبلوها، فينحرفون حينئذ للجنوب أو الشمال، وهو معنى قول المؤلّف: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة القول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله النسائي والمؤلّف في الباب وغيره (لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا) ظاهره التسوية بين الصحاري والأبنية فيكون مطابقًا للترجمة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه. وقال مالك والشافعي: يحرم في الصحراء لا في البنيان لحديث الباب، ولأنه عليه الصلاة والسلام قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة، فجمع الشافعي رحمه الله بينهما بحمل حديث الباب المفيد للتحريم على الصحراء لأنها لسعتها لا يشق فيها اجتناب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان، فقد يشق فيه اجتناب ذلك فيجوز فعله كما فعله عليه السلام لبيان الجواز، وإن كان الأولى لنا تركه، وتقدم مزيد لذلك في كتاب الوضوء. .