1581 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْنَامِ»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»،
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ أَقْرَبِهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَدَاءٌ وَكُدًا مَوْضِعَانِ. (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه قال: (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (عام الفتح من كداء) بالفتح والد منوّنًا، (وكان عروة يدخل منهما) أي من كداء بالفتح وكدى بالضم (كليهما) بكاف مكسورة ولام مفتوحة فمثناة تحتية، وللأصيلي: كلاهما بالألف على لغة من أعربه بالحركات المقدّرة في الأحوال الثلاث (وأكثر) بالرفع، ولأبي ذر: وكان بالنصب خبر كان الزائدة عنده (ما يدخل) وفي بعض النسخ و: أكثر ما كان يدخل (من كداء) بالفتح والمدّ والتنوين، ولأبي ذر: كدى بالضم والقصر من غير تنوين. قال الحافظ ابن حجر: إنها كذلك للجميع "أقربهما إلى منزله" بجرّ أقرب بيان أو بدل من كداء، والأرجح أن دخوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أعلى مكة وخروجه من أسفلها كان قصدًا ليتأسى به فيه فيكون سنّة لكل داخل، وحينئذٍ فالآتي من غير طريق المدينة يؤمر بالتعريج ليدخل منها وهذا ما صححه النووي في الروضة والمجموع لما قاله الشيخ أبو محمد الجويني: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرّج إليه قصدًا. وحكى الرافعي عن الأصحاب تخصيصه بالآتي من طريق المدينة للمشقة، وأن دخوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها كان اتفاقًا. (قال أبو عبد الله): البخاري (كداء وكدى) بالفتح والمدّ والتنوين في الأوّل، والضم والقصر والتنوين في الثاني، وفي نسخة: بركته (موضعان) كذا ثبت هذا القول للمستملي، وسقط لغيره وهو أولى لأنه ليس في سياقه كبير فائدة كما لا يخفى. 42 - باب فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا، وقوله تعالى: [البقرة: 125 - 128] {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. (باب) بيان (فضل مكة) زادها الله تعالى شرفًا ورزقنا العود إليها على أحسن حال بمنه وكرمه (و) في (بنيانها)، أي الكعبة (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه أي في بيان تفسير قوله تعالى: ({وإذ جعلنا البيت}) أي الكعبة ({مثابة للناس}) من ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا إليه. أي: جعلنا البيت مرجعًا ومعاذًا يأتونه كل عام ويرجعون إليه فلا يقضون منه وطرًا، أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماده ({وأمنًا}) من المشركين أبدًا فإنهم لا يتعرضون لأهل مكة ويتعرضون لمن حولها، أولاً يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وقيل: يأمن الحاج من عذاب الآخرة من حيث أن الحج يجب ما قبله ({واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى}) مقام إبراهيم الحجر المعروف أو المسجد الحرام أو الحرم أو مشاعر الحج. وقد صح أن عمر قال: يا رسول الله هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: "نعم". قال: أفلا نتخذه مصلّى: فأنزله الله ({واتخذوا}) الخ. وهو عطف على اذكروا نعمتي أو على معنى مثابة أي ثوبوا إليه واتخذوا أو مقدّر بقلنا أي: وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة أو مدعى والأمر للاستحباب بالاتفاق ({وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) أمرناهما ({أن طهّرا بيتي}) أي: بأن طهرا وهو بمعنى الوحي عدّى بإلى يريد طهراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به وأخلصاه ({للطائفين}) حوله ({والعاكفين}) المقيمين عنده أو المعتكفين فيه ({والركع السجود}) جمع راكع وساجد أي المصلين، واستدلّ به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت خلافًا لمالك رحمه الله في الفرض. ({وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا}) البلد أو المكان ({بلدًا آمنًا}) أي ذا أمن كقوله تعالى: {في عيشة راضية} [الحاقة: 21 والقارعة: 7] وآمنًا أهله كقولك: ليل نائم ({وارزق أهله من الثمرات}) فاستجاب الله دعاءه بأن بعث الله تعالى جبريل عليه الصلاة والمسلام حتى اقتلع الطائف من موضع الأردن، ثم طاف بها حول الكعبة فسميت الطائف قاله المفسرون ({من آمن منهم بالله واليوم الآخر}) أبدل من آمن من أهله بدل البعض للتخصيص. ({قال ومن كفر}) عطف على منآمن وهو من كلام الله تعالى نبه الله سبحانه أن الرزق عام دنيوي يعم المؤمن والكافر لا الإمامة والتقدم في الدين أو مبتدأ تضمن معنى الشرط ({فأمتعه قليلاً) خبره، وقليلاً: نصب بالمصدر والكفر، وإن لم يكن سبب التمتع لكنه سبب تقليله بأن يجعله مقصورًا بحظوظ الدنيا غير متوسل به إلى نيل الثواب ولذلك عطف عليه ({ثم أَضطّره إلى عذاب النارو}) أي ألجئه إليه ({وبئس المصير}). أي العذاب. فحذف المخصوص بالذم ({وإذ يرفع إبراهيم القواعد}) الأساس ({من البيت}) ورفعها البناء عليها وظاهره أنه كان مؤسسًا قبل إبراهيم، ويحتمل أن يكون المواد بالرفع نقلها من مكانها إلى مكان البيت ({وإسماعيل})، كان يناوله الحجارة يقولان ({ربنا تقبل منا}) بناء البيت ({إنك أنت السميع}). لدعائنا ({العليم}) بنياتنا ({ربنا واجعلنا مسلمين لك}) مخلصين لك منقادين ({ومن ذريتنا}) أي واجعل بعض ذريتنا ({أمة}) جماعة ({مسلمة لك}) خاضعة مخلصة، وإنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا بهم الأتباع، وخصا بعضهم لما أعلما في ذريتهما ظلمة وعلما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص والإقبال الكلي على الله فإنه مما يشوّش المعاش، ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدنيا قاله القاضي: ({وأرنا}) قال البيضاوي: من رأى بمعنى أبصر أو عرف ولذلك بتجاوز مفعولين. وقال أبو حيان: أي تصرنا إن كانت من رأي البصرية، والتعدي هنا إلى اثنين ظاهر لأنه منقول بالهمزة من المتعدي إلى واحد، وإن كانت من رؤية القلب فالمنقول أنها تتعدى إلى اثنين، فإذا دخلت عليها همزة النقل تعدّت إلى ثلاثة وليس هنا إلا اثنان فوجب أن يعتقد أنها من رؤية العين، وقد جعلها الزمخشري من رؤية القلب وشرحها بقوله: عرف فهي عنده تأتي بمعنى عرف أي تكون قلبية وتتعدى إلى واحد، ثم أدخلت همزة النقل فتعدت إلى اثنين ويحتاج ذلك إلى سماع من كلام العرب اهـ. ({مناسكنا}) متعبداتنا في الحج أو مذابحنا. وروى عبد بن حميد عن أبي مجلز قال، لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل فأراه الطواف بالبيت سبعًا قال: وأحسبه بين الصفا والمروة ثم أتى به عرفة فقال" أعرفت؟ قال: نعم، قال: فمن ثم سميت عرفات ثم أتى به جميعًا فقال: هاهنا يجمع الناس الصلاة، ثم أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فقال: أرمه بها وكبّر مع كل حصاة ({وتب علينا})، استتابة لذريتهما لأنهما معصومان أو عما فرط منهما سهوًا، ولعلهما قالاه هضمًا لأنفسهما وإرشادًا لذريتهما ({إنك أنت التواب الرحيم}) [البقرة: الآيات: 125 - 126 - 127 - 128] لمن تاب. وهذه أربع آيات ساقها المصنف كلها كما هو في رواية كريمة، وللباقين بعض الآية الأولى، ولأبي ذر كلها ثم قال: إلى قوله التواب الرحيم. .