1560 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، أَنَّ حُذَيْفَةَ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَقَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلاَ. قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي. قَالَ: فَلاَ يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَاهُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ". ضَيْرُ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا. وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا، وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا. وبالسند قال: (حدثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة الملقب ببندار (قال: حدثني) بالإفراد (أبو بكر) عبد الكبير بن عبد المجيد (الحنفي) قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة ثم حاء مهملة وحميد بضم الحاء المهملة وفتح الميم الأنصاري (قال: سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أشهر الحج، وليالي الحج، وحرم الحج)، بضم الحاء والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته، وهذا موضع الترجمة فإنه يدل على أنه كان مشهورًا عندهم معلومًا. وللأصيلي فيما ذكره الزركشي كعياض: وحرم الحج بفتح الراء جمع حرمة أي ممنوعات الحج ومحرماته، (فنزلنا بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء غير منصرف للعلمية والتأنيث اسم بقعة على عشرة أميال من مكة (قالت) عائشة (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قبته التي ضربت له (إلى أصحابه فقال:) لهم: (من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته (عمرة فليفعل) أي العمرة (ومن كان معه الهدي فلا) يفعل أي لا يجعلها عمرة فحذف الفعل المجزوم بلا الناهية، ولمسلمقالت: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت: من أغضبك أدخله الله النار؟ قال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون. وفي حديث جابر عند البخاري فقال لهم: أحلوا من إحرامكم واجعلوا التي قدمتم بها متعة. فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: افعلوا ما أقول لكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا. قال النووي: هذا صريح في أنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة أمر عزيمة وتحتيم بخلاف قوله من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل. قال العلماء: خيرهم أولاً بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ وأمرهم أمر عزيمة وألزمهم إياه وكره تردّدهم في قبول ذلك ثم قبلوه وفعلوه إلا من كان معه هدي. (قالت:) عائشة -رضي الله عنها- (فالآخذ بها) بمد الهمزة وكسر الخاء المعجمة والرفع على الابتداء (والتارك لها) عطف على سابقه والضميران للعمرة وخبر المبتدأ قولها (من أصحابه قالت: فأما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة. قالت: فدخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أبكي) جملة حالية (فقال): (ما يبكيك يا هنتاه؟) بفتح الهاء وسكون النون والهاء الأخيرة كذا ضبطه في الفرع كأصله، ونسبه السفاقسي لرواة أبي ذر وفي أخرى زيادة فتح النون وضم الهاء الأخيرة والسكون فيها هو الأصل لأنها للسكت، لكنهم شبهوها بالضمائر وأثبتوها في الوصل وضموها. ويقال: في التثنية هنتان وفي الجمع هنات وهنوات وفي المذكر هن وهنان وهنون، ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنة وأن تشبع الحركة فتصير ألفًا فتقول يا هناه. وقال الخليل: إذا دعوت امرأة فكنيت عن اسمها قلت يا هنة فإذا وصلتها بالألف الهاء وقفت عندها في النداء فقلت يا هنتاه ولا يقال إلا في النداء. قال: ومعنى يا هنتاه يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرودهم أو المعنى يا هذه. (قلت: سمعت قولك لأصحابك بك فمنعت العمرة). أي أعمالها من الطواف والسعي وقد كانت قارنة (قال: (وما شأنك؟) قلت: لا أصلي) كنت عن الحيض بالحكم الخاص به وهو امتناع الصلاة وتأدبًا منها في الكناية لما في التصريح به من إخلال ما بالأدب، ولهذ والله أعلم استمر النساء إلى الآن على الكناية عن الحيض بحرمان الصلاة أي تحريمها، فظهر أثر أدبها -رضي الله عنها- في بناتها قاله ابن المنير. (قال:) عليه الصلاة والسلام: (فلا يضيرك) بكسر الضاد وتخفيف المثناة التحتية من الضير وهو الضرر. قال العيني كالحافظ ابن حجر، وفي رواية غير الكشميهني: فلا يضرك بتشديد الراء من الضرر (إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن) سلاها عليه الصلاة والسلام بذلك وخفف همها أي إنك لست مختصة بذلك بل كل بنات آدم يكون منهن هذا (فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها) مفردة كذا في اليونينية وغيرها بباء متولدة من إشباع كسرة الكاف وهي في لسان المصريين شائعة قاله في المصابيح. وفي البرماوي كالكرماني يرزقكها بغير ياء قالا وفي بعضها بإشباع كسرة الكاف ياء والضمير للعمرة. (قالت: فخرجنا في حجته حتى قدمنا منى فطهرت) بالطاء المهملة وفتح الهاء يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها يوم السبت أيضًا لثلاث خلون من ذي الحجة، (ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت) أي طفت به طواف الإفاضة (قالت: ثم خرجت) بسكون الجيم وضم التاء. وفي اليونينية: بفتح الجيم وسكون التاء لا غير (معه) عليه الصلاة والسلاً (في النفر الأخر) بإسكان الفاء القوم ينفرون من منى والأخر بكسر الخاء وهو في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وأما النفرالأول ففي ثاني عشرة (حتى نزل) عليه الصلاة والسلام (المحصب) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددة المهملتين آخره موحدة موضع متسع بين مكة ومنى وسمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل لانهباطه وهو الأبطح وخيف بني كنانة وهو ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقابر منه. وفرق المحب الطبري بين الأبطح والبطحاء من حيث التذكير والتأنيث لا من حيث المكان فقال: والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى فإذا أردت الوادي قلت الأبطح وإذا أردت البقعة قلت البطحاء (ونزلنا معه) فيه (فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (فقال): (أخرج) بضم الراء (بأختك) عائشة (من الحرم) إلى أدنى الحل لتجمع في النسك بين أرض الحل والحرم كما يجمع الحاج بينهما (فلتهلّ بعمرة) أي مكان العمرة التي كانت تريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعها الحيض منها. وقوله: فلتهلّ بسكون اللام وضم التاء من الإهلال وهو الإحرام ثم (افرغا) من العمرة وظاهره أن عبد الرحمن اعتمر مع أخته (ثم ائتيا هاهنا) أي المحصب (فإني أنظركما) بضم الظاء المعجمة بمعنى رواية أبي ذر عن الكشميهني انتظركما بزيادة مثناة فوقية من الانتظار كما في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] (حتى تأتياني) وفي بعض الأصول تأتيان بحذف الياء تخفيفًا وتخفيف النون وكسرة النون تدل على المحذوف. (قالت: فخرجنا) إلى التنعيم فأحرمنا بالعمرة (حتى إذا فرغت) منها (وفرغت) أيضًا (من الطواف) للوداع وحذف ذلك للعلم به فكل واحد من اللفظين مسلط على غير ما تسلط عليه الآخر، وهذا يرد على من زعم أن الراوي حرّف اللفظ أو غلط فيه وأن الأصل فرغت بلفظ الغائب تعني عائشة أخاها بدليل ما في أول الحديث أفرغا وما في آخره هل فرغتم. وأجيب: بأنه ليس الذي في أوّله وآخره موجبًا لأن تقول فرغت وفرغ بل إنما عبرت عن حالها عن حاله، لكن قال الكرماني وتبعه البرماوي والعيني أنه في بعضها فرغ بلفظ الغائب والله أعلم. (ثم جئته بسحر) قبيل الفجر الصادق. قال الزركشي وغيره بفتح الراء أي من ذلك اليوم فلا ينصرف للعلمية والعدل نحو جئته يوم الجمعة سحر انتهى. قال في المصابيح: حكى الرضى خلافًا في صرفه مع إرادة التعيين، لكن حكى أن القول المشهور كونه غير منصرف وتحقق العدل فيه هو أن كل لفظ جنس أطلق وأريد فرد معين من أفراده فلا بد فيه من لام العهد سواء صار علمًا بالغلبة كالصعق والنجم أو لا نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أخذًا من استقراء لغتهم، فثبت في سحر بذلك عدل محقق. وقال أبو حيان: تعينه أن يراد من يوم بعينه سواء ذكرت ذلك اليوم معه كجئتك (يوم الجمعة سحر أو لم تذكره كجئتك سحر وأنت تريد ذلك من يوم بعينه)، وسواء عرّفت ذلك اليوم كما مرّ أو نكرته نحو: جئتك يومًا سحر. (فقال): عليه الصلاة والسلام لهما ومن معهما ممن اعتمر: (هل فرغتم)؟ من العمرة؟ أو قال لهما فقط على قول أن أقل الجمع اثنان. قالت عائشة: (فقلت) ولأبي ذر وابن عساكر: قلت: (نعم)، فرغنا منها. (فآذن) بهمزة ممدودة فذال معجمة مفتوحة مخففة فنون أي أعلم (بالرحيل في أصحابه)، وقيل أذن بتشديد الذال من غير مدّ (فارتحل الناس، فمر) عليه الصلاة والسلام حال كونه (متوجهًا إلى المدينة) ولما كان في قوله لا يضيرك روايتان هذه والثانية فلا يضرك أشار بقوله (ضير) الأجوف اليائي إلى أن مصدر لا يضيرك ضير، وأشار إلى أن فيه لغتين: إحداهما أن يكون (من ضار يضير ضيرًا) من باب يبيع بيعًا، وأشار إلى الثانية بقوله: (ويقال ضار يضور ضورًا) من باب: قال يقول قولاً، وأشار إلى الرواية الثانية بقوله: (وضرّ يضر ضرًا) بفتح العين في الماضي وضمها في المستقبل، وهذه الجملة من قوله ضير الخ ساقطة في رواية أبي ذر. وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والسماع والقول، ورواته الأوّلان بصريان والأخيران مدنيان، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الحج وكذا النسائي. 34 - باب التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بِالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (باب التمتع) وهو تفعل من المتاعوهو المنفعة وما تمتعت به يقال تمتعت بكذا واستمتعت به بمعنى والاسم منه المتعة وهي: أن يحرم من على مسافة القصر من حرم مكة بعمرة أوّلاً من ميقات بلده في أشهر الحج ثم يفرغ منها وينشئ حجًّا من مكة من عامها ولم يعد لميقات من المواقيت ولا لمثله مسافة، وسمي تمتعًا لتمتع صاحبه بمحظورات الإحرام بينهما وخرج بالقيود المذكورة ما لو أحرم بالحج أوّلاً لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} وما لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وإن وقع أعمالها في أشهره لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه الفرد، وما لو أحرم في أشهر الحج من الحرم ومن دون مسافة القصر لأنه من حاضري في المسجد الحرام، وقد قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وما لو أحرم بها من مسافة القصر فأكثر من الحرم ولم يحج من عامها أو حج من عامها وعاد قبل إحرامه به أو بعده وقبل التلبس بنسك إلى ميقات أو مثله مسافة ولو أقرب مما أحرم به بالعمرة وهذه القيود المذكورة إنما هي قيود للتمتع الموجب للدم لا في صدق اسم التمتع. (والإقران) أن يجمع بينهما في إحرامه فتندرج أفعال العمرة في أفعال الحج أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في الطواف، فلو أحرم بالحج أوّلاً ثم أدخل عليه العمرة لم يصح على أصح قولي الشافعي لأنه لا يستفيد به شيئًا بخلاف إدخاله الحج على العمرة يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت، ولأنه يمتنع إدخال الضعيف على القوي نعم صحح الإمام البلقيني في التدريب القول الآخر وجعله من أنواع القران فقال: والمختار جوازه لصحة ذلك من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد قال: "خذوا مناسككم عني" قال ثم يمتد الجواز ما لم يشرع في طواف القدوم على الأرجح اهـ. وقوله: الإقران كذا في رواية أبي ذر بالهمزة المكسورة قبل القاف الساكنة قال القاضي عياض: وهو خطأ من حيث اللغة، وقال السفاقسي: الإقران غير ظاهر لأن فعله ثلاثي وصوابه قرن. قال في التنقيح: لم يسمع في الحج أقرن ولا قرن في المصدر منه، وإنما هو قران مصدر قرن بين الحج والعمرة إذا جمع بينهما قال في المصابيح: أراد تخطئة البخاري لقصد المشاكلة بين الإقران والإفراد نحو: ارجعن مأزورات غير مأجورات اهـ. ولأبي الوقت: والقران (والإفراد بالحج) بأن يحج ثم يعتمر أو يحرم بعمرة في غير أشهر الحج أو فيها على دون مسافة القصر من الحرم أو على مسافته منه ولم يحج عام العمرة أو يحج عامها ويعود إلى ميقات. نعم ما سوى الأولى تمتع لكن لا يوجب دمًا (وفسخ الحج) إلى العمرة أي قلبه عمرة بأن يحرم به ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعًا (لمن لم يكن معه هدي) وجوّزه أحمد وطائفة من أهل الظاهر. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: أنه خاص بالصحابة وبتلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور. ودليل التخصيص حديث الحرث بن بلال عن أبيه المروي عند أبي داود والنسائي وابن ماجة قال: قلت: يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال (بل لكم خاصة) وأجاب القائلون بالأوّل بأن حديث الحرث بن بلال ضعيف، فإن الدارقطني قال: إنه تفرّد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عنه. وقال أحمد: إنه لا يثبت ولا نرويه عن الدراوردي ولا يصح حديث في الفسخ أنه كان لهم خاصة وساق في البخاري قال: شهدت عثمان وعليًّا -رضي الله عنهما- وعثمان ينهى عن المتعة أي عن فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان مخصوصًا بتلك السنة وقال: مرة حديث بلال لا أقول به لا نعرف هذا الرجل ولم يروه إلا الدراوردي، وأما الفسخ فرواه أحد وعشرون صحابيًا وأين يقع بلال بن الحرث منهم؟ وأجاب النووي بأنه لا معارضة بينه وبينهم حتى يرجح لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة والحرث يوافقهم وزاد زيادة لا تخالفهم. .