1282 - وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ، حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا - وَهُوَ مِنْ مِنًى - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ» وَقَالَ: «لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي، حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ»
ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". [الحديث طرفه في: 5335]. قالت زينب بنت أبي سلمة: (ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها) يحتمل، على بعد: أن يكون هو عبيد الله، بالتصغير، الذي مات كافرًا بالحبشة بعد أن أسلم، ولا مانع، أن يحزن المرء على قريبه الكافر، ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره. أو هو: أخ لها من أمها، أو: من الرضاع، وليس هو أخوها عبد الله بفتح العين، لأنه استشهد بأُحد، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدًّا، ولا أخوها: أبو أحمد عبد، بغير إضافة، لأنه مات بعد أخته زينب بسنة، كما جزم به ابن إسحاق وغيره. وقد استشكل التعبير: بثم، المقتضية للعطف على التراخي والتشريك في الحكم والترتيب، في قولها: ثم دخلت على زينب. إذ مقتضاه أن تكون قصة زينب هذه بعد قصة أم حبيبة، وهو غير صحيح، لأن زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح. وأجيب: بأن في دلالة: ثم، على الترتيب خلافًا، ولئن سلمنا ضعف الخلاف، فإن ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وذلك كما تقول: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: ثم أخبرك بأن الذي صنعته أمس أعجب. (فدعت) أي: زينب بنت جحش (بطيب فمست) زاد أبو ذر: به، أي: شيئًا من جسدها (ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على المنبر) زاد أبو ذر: يقول: (لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد) بحذف أن والرفع (على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) وهذا الحديث هو العمدة في وجوب الإحداد على الزوج الميت، ولا خلاف فيه في الجملة، وإن اختلف في بعض فروعه. واستشكل بأن مفهومه: إلا على زوج فإنه يحل لها الإحداد، فأين الوجوب؟ وأجيب: بأن الإجماع على الوجوب، فاكتفي به، وأيضًا فإن في حديث أم عطية النهي الصريح عن الكحل، وعن لبس ثوب مصبوغ، وعن الطيب. فلعله سند الإجماع. وفي حديث أم سلمة عند النسائي، وأبي داود، قالت: قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ... الحديث. وظاهره أنه مجزوم على النهي. وفي رواية لأبي داود: لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا فهذا أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر، فهو على حد قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] والمراد به الأمر اتفاقًا والله أعلم. 32 - باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ (باب) مشروعية (زيارة القبور) وسقط الباب والترجمة لابن عساكر. 1283 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَتْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس، قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال): (مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بامرأة تبكي عند قبر) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير، عند عبد الرزاق: فسمع منها ما يكره، أي: من نوح أو غيره، ولم تعرف المرأة ولا صاحب القبر، لكن في رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها، ولفظه تبكي على صبي لها، وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور، ولفظه قد أصيبت بولدها. (فقال) لهايا أمة الله. (اتقي الله واصبري) قال الطيبي: أي: خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي، ليحصل لك الثواب. (قالت: إليك عني) أي: تنح وابعد، فهو من أسماء الأفعال: (فإنك لم تصب بمصيبتي) بضم المثناة الفوقية، وفتح الصاد في تصب مبنيًّا للمفعول، وعند المصنف في الأحكام، من وجه آخر عن شعبة: فإنك خلو من مصيبتي، بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، خاطبته بذلك (و) الحال أنها (لم تعرفه) إذ لو عرفته لم تخاطبه بهذا الخطاب. (فقيل لها:) وللحموي، وللمستملي: لم تصب بمصيبتي فقيل لها (إنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند المؤلّف في الأحكام: فأمر بها رجل، فقال لها: إنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أبي يعلى، من حديث أبي هريرة قال: فهل تعرفينه، قالت له: لا. وللطبراني في الأوسط، من طريق عطية، عن أنس: إن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له: فأخذها مثل الموت، أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما اشتبه عليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى كعادة الملوك والكبراء، مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء. (فأتت) باب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم تجد عنده بوابين) يمنعون الناس من الدخول عليه، وفي رواية الأحكام بوابًا بالإفراد. فإن قلت: ما فائدة هذه الجملة؟ أجاب شارح المسماة. بأنه لما قيل لها إنه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها، فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب أو بوّاب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته. (فقالت) معتذرة عما سبق منها، حيث قالت: إليك عني: (لم أعرفك) فاعذرني من تلك الردة وخشونتها (فقال) لها عليه الصلاة والسلام: (إنما الصبر) الكامل (عند الصدمة الأولى) الواردة على القلب، أي: دعي الاعتذار فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا لله، وانظري، إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثواب بالجزع، وعدم الصبر أوّل فجأة المصيبة، فاغتفر لها عليه الصلاة والسلام تلك الجفوة لصدورها منها في حال مصيبتها، وعدم معرفتها به، وبين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على طول الأيام يسلو. كما يقع لكثير من أهل المصائب، بخلاف أوّل وقوع المصيبة، فإنه يصدم القلب بغتة وقد قيل: إن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن نيته، وجميل صبره. ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى، في موضعه. فإن قلت: من أين تؤخذ مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من حيث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم ينه المرأة المذكورة عن زيارة قبر ميتها، وإنما أمرها بالصبر والتقوى، لما رأى من جزعها، فدلّ على الجواز، واستدلّ به على زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا لعدم الاستفصال في ذلك. قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي: الماوردي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. اهـ. وحجة الماوردي قوله تعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وفي الاستدلال بذلك نظر لا يخفى. وبالجملة: فتستحب زيارة قبور المسلمين للرجال، لحديث مسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة". وسئل مالك عن زيارة القبور فقال: قد كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرًا لم أبي بذلك بأسًا. وعن طاوس: كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام، لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم، سبعة أيام. وتكره للنساء لجزعهن، وأما حديث أبي هريرة المروي عند الترمذي، وقال حسن صحيح: "لعن الله زوّارات القبور"، فمحمول على ما إذا كانت زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن، قال القرطبي: وحمل بعضهم حديث الترمذي في المنع على من تكثر الزيارة لأن زوارات للمبالغة. اهـ. ولو قيل بالحرمة في حقهن، في هذا الزمان، لا سيما نساء مصر، لما بعد لما في خروجهن من الفساد، ولا يكره لهن زيارة قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل تندب وينبغي كما قال ابن الرفعة، والقمولي، أن تكون قبور سائر الأنبياء والأولياء كذلك. وفي الحديث:التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه في: الجنائز، والأحكام ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والترمذي والنسائي. 33 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ» لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- {ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} -ذُنُوبًا- {إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ} وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. (باب قول النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في الباب عن ابن عباس عن عمر. (يعذب الميت ببعض بكاء أهله) المتضمن للنوح المنهي عنه (عليه) وليس المراد مع العين لجوازه، وإنما المراد البكاء الذي يتبعه الندب والنوح، فإن ذلك إذا اجتمع سمي بكاء. قال الخليل: من قصر البكاء ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصوت، وقيده بالبعضية تنبيهًا على أن حديث ابن عمر المطلق محمول على حديث ابن عباس عن عمر الآتي كل منهما إن شاء الله تعالى في هذا الباب. (إذا كان) الميت في حال حياته راضيًا بذلك، بأن يكون (النوح من سنته) بضم السين وتشديد النون، أي من طريقته وعادته. وأما قول الزركشي هذا منه أي: من المؤلّف، حمل للنهي عن ذلك، أي: أنه يوصي بذلك، فيعذب بفعل نفسه، فتعقبه صاحب مصابيح الجامع: بأن الظاهر أن البخاري لا يعني الوصية، وإنما يعني العادة. وعليه يدل قوله: من سنته، إذ السنة الطريقة والسيرة يعني: إذا كان الميت قد عود أهله أن يبكوا على من يفقدونه في حياته وينوحوا عليه بما لا يجوز. وأقرّهم على ذلك، فهو داخل في الوعيد، وإن لم يوص. فإن أوصى فهو أشد انتهى. وليس قوله: إذا كان النوح من سنته من المرفوع، بل هو من كلام المؤلّف، قاله تفقهًا (لقول الله تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ({قُوا أَنفُسَكُمْ}) بترك المعاصي الشاملة للنوح وغيره ({وأهليكم نارًا}) [التحريم: 6] بالنصح والتأديب لهم، فمن علم أن لأهله عادة بفعل منكر من نوح أو غيره، وأهمل نهيهم عنه، فما وقى أهله ولا نفسه من النار. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما تقدّم موصولاً في حديث ابن عمر في الجمعة: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته). فمن ناح ما رعى نفسه ولا رعيته الذين هم أهله لأنهم يقتدون به في سنته. (فإذا لم يكن من سنته) النوح، كمن لا شعور عنده، بأنهم يفعلون شيئًا من ذلك، أو أدّى ما عليه بأن نهاهم (فهو كما قالت عائشة، رضي الله عنها) مستدلة لما أنكرت على عمر، رضي الله عنه، حديثه المرفوع الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" بقوله تعالى: ({ولا تزر}) سقطت الواو، من: ولا تزر لغير أبي ذر، لا تحمل ({وازرة}) نفس آثمة ({وزر}) نفس ({أخرى}) [الأنعام: 164 والإسراء: 15 وفاطر: 18 والزمر: 7] والجملة جواب إذا المتضمنة معنى الشرط، والحاصل أنه: إذا لم يكن من سنته، فلا شيء عليه، كقول عائشة. فالكاف للتشبيه، وما مصدرية، أي: كقول عائشة. (وهو) أي: ما استدلت به عائشة من قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (كقوله: {وإن تدع مثقلة -ذنوبًا- إلى حملها}) وليست: ذنوبًا، من التلاوة، وإنما هو في تفسير مجاهد، فنقله المصنف عنه؛ والمعنى: وإن تدع نفس أثقلتها أوزارها أحدًا من الآحاد إلى أن يحمل بعض ما عليها ({ولا يحمل منه}) أي: من وزره ({شيء}) [فاطر: 18] وأما قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم، وهذه الجملة من قوله، وهو كقوله: {وإن تدع مثقلة} وقعت في رواية أبي ذر وحده، كما أفاده في الفتح. ثم عطف المؤلّف على أول الترجمة قوله: (وما يرخص من البكاء) في المصيبة (من غير نوح). وهو حديث أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، وصححه الحاكم. لكن ليس على شرط المؤلّف، ولذا اكتفى بالإشارة إليه، واستغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاه. (وقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله المؤلّف في: الدّيات وغيرها، من جملة حديث لابن مسعود: (لا تقتل نفس ظلمًا) أي: من حيث الظلم (إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل الذي قتل هابيل ظلمًا وحسدًا (كفل) أي: نصيب (من دمها). (وذلك) أي: كون الكفل على ابن آدم الأول (لأنه أول من سن القتل) ظلمًا، أي فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت، لأنه سنّ النياحة في أهله، وفيهالرد على القائل بتخصيص التعذيب بمن يباشر الذنب بقوله أو فعله، لا بمن كان سببًا فيه، ولا يخفى سقوطه. .