113 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرِيُّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، يَقُولُ: " إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأِ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَبُّكُمْ: «قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»، ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: إِي وَاللهِ، لَقَدْ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ جُنْدَبٌ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني الإمام (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو) هو ابن دينار المكي الجمحي أحد الأئمة المجتهدين، المتوفى سنة ست وعشرين ومائة (قال: أخبرني) بالإفراد (وهب بن منبّه) بضم الميم وفتح النون وكسر الموحدة المشددة ابن كامل بن سيج بفتح السين المهملة، وقيل بكسرها وسكون المثناة التحتية في آخره جيم الصنعاني الأنباري الذماري بالمعجمة، المتوفى سنة أربع عشرة ومائة (عن أخيه) همام بن منبّه المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة (قال: سمعت أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه (يقول): (ما من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد) بالرفع اسم ما النافية (أكثر) بالنصب خبرها (حديثًا) بالنصب على التمييز (عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مني) وفي رواية أبي أكثر بالرفع صفة أحد كذا أعربه العيني والكرماني والزركشي، وتعقبه البدر الدماميني فقال قوله اسم ما يقتضي أنها عاملة وأحد الشروط متخلف وهو تأخير الخبر واغتفارهم لتقدّم الظرف دائمًا إنما هو إذا كان معمولاً للخبر لا خبرًا، وأما نصب أكثر فيحتمل أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الظرف المتقدم على بحث فيه فتأمله. قال: والذي يظهر أن (ما) هذه مهملة غير عاملة عمل ليس، وأن أحد مبتدأ وأكثر صفته ومن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبره اهـ. (إلا ما كان من عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص رضي الله عنهما (فإنه كان يكتب و) أنا (لا أكتب) أي لكن الذي كان من عبد الله بن عمرو وهو الكتابة لم يكن مني والخبر محذوف بقرينة ما في الكلام سواء لزم منه كونه أكثر حديثًا لما تقتضيه عادة الملازمة مع الكتابة أم لا. ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً نظرًا إلى المعنى إذ حديثًا وقع تمييزًا، والتمييز كالمحكوم عليه فكأنه قال: ما أحد حديثه أكثر من حديثي إلا أحاديث حصلت من عبد الله، ويفهم منه جزم أبي هريرة رضي الله عنه بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه إلا عبد الله بن عمرو مع أن الموجود عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المرويّ عن أبي هريرة بأضعاف لأنه سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلاً بخلاف أبي هريرة فإنه استوطن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة، وروى عنه فيما قاله المؤلف نحو من ثمانمائة رجل، ورُوِيَ عنه من الحديث خمسة آلاف وثلاثمائة حديث ووجد لعبد الله سبعمائة حديث (تابعه) أي تابع وهب بن منبّه في روايته لهذا الحديث عن همام (معمر) هو ابن راشد (عن همام عن أبي هريرة) كما أخرجها عبد الرزاق عن معمر. 114 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ: قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيئةَ كُلَّ الرَّزِيئةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ كِتَابِهِ. [الحديث 114 - أطرافه في: 3053، 3168، 4431، 4432، 5669، 7366]. وبه قال (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى الجعفي المكّي المتوفى بمصر سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (لما اشتد) أي حين قوي (بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وجعه) الذي توفي فيه يوم الخميس قبل موته بأربعة أيام (قال: ائتوني بكتاب) أي بأدوات الكتاب كالدواة والقلم أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه كالكاغد وعظم الكتف كما صرح به في رواية مسلم (كتب لكم) بالجزم جوابًا للأمر ويجوز الرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم (كتابًا) فيه النص على الأئمة بعدي أو أبين فيه مهمات الأحكام (لا تضلوا بعده) بالنصب على الظرفية، وتضلوا بفتح أوّله وكسر ثانيه مجزوم بحذف النون بدلاً من جواب الأمر. (قال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه لمن حضره من الصحابة: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبه الوجع و) الحال (عندنا كتاب الله) هو (حسبنا) أي كافينا، فلا نكلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يشق عليه في هذه الحالة من إملاء الكتاب ولم يكن الأمر في ائتوني للوجوب، وإنما هو من باب الإرشاد للأصلح للقرينة الصارفة للأمر عن الإيجاب إلى الندب، وإلا فما كان يسوغ لعمر رضي الله عنه الاعتراض على أمر الرسول عليه الصلاة والسلام على أنّ في تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر رضي الله عنه دليلاً على استصوابه، فكان توقف عمر صوابًا، لا سيما والقرآن فيه تبيان لكل شيء، ومن ثم قال عمر: حسبنا كتاب (فاختلفوا) أي الصحابة عند ذلك فقالت طائفة: بل نكتب لما فيه من امتثال أمره وزيادة الإيضاح، (وكثر) بضم المثلثة (اللغط) بتحريك اللام والغين المعجمة أي الصوت والجلبة بسبب ذلك، فلما رأى ذلك عليه الصلاة والسلام (قال) وفي رواية فقال بفاء العطف وفي أخرى وقال بواوه (قوموا عني) أي عن جهتي (ولا ينبغي عندي التنازع) بالضم فاعل ينبغي، (فخرج ابن عباس) من المكان الذي كان به عندما تحدث بهذا الحديث وهو (يقول: إن الرزيئة) بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ساكنة ثم همزة وقد تسهل وتشدد الياء (كل الرزيئة) بالنصب على التوكيد (ما حال) أي الذي حجز (بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كتابه) وقد كان عمر أفقه من ابن عباس حيث اكتفى بالقرآن على أنه يحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ظهر له حين همّ بالكتاب أنه مصلحة، ثم ظهر له أو أُوحي إليه بعد أنّ المصلحة في تركه ولو كان واجبًا لم يتركه عليه الصلاة والسلام لاختلافهم لأنه لم يترك التكليف لمخالفة من خالف، وقد عاش بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك. ويستفاد من هذا الحديث جواز كتابة الحديث الذي عقد المؤلف الباب له، وكذا من حديث علي وقصة أبي شاه الإذن فيها، لكن يعارض ذلك حديث أبي سعيد الخدري المروي في مسلم مرفوعًا "لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن" وأجيب: بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك أو الإذن ناسخ للنهي عند الأمن من الالتباس، أو النهي خاص بمن خشي منه الاتّكال على الكتاب دون الحفظ والإذن لمن أمن منه ذلك. وقد كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظًا كما أخذوا حفظًا، لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه وأوّل من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنّة. 40 - باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ (باب) تعليم (العلم والعظة) بكسر العين أي الوعظ، وفي بعض النسخ واليقظة (بالليل). .